🛑فرجال... news
لم يعد ما يجري في فلسطين والشرق الأوسط مجرّد أحداث عابرة يمكن الاكتفاء حيالها ببيانات الشجب والاستنكار، بل أصبح يستدعي تحركًا جادًا في مواجهة المخططات الصهيونية التي باتت واضحة المعالم. فهذه المخططات تجاوزت حدود فلسطين، لتشمل المنطقة بأكملها، تحت غطاء غربي وصمت عربي مطبق.
لطالما تحدث تيار الصهيونية الدينية واليمين المتطرف في إسرائيل عن مشروع “إسرائيل الكبرى” و”أرض الميعاد”. وكان كثيرون يعتبرون تلك التصريحات الصادرة عن وزراء وأعضاء كنيست مجرد مواقف متطرفة لا تعكس سياسة الدولة. إلا أن تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي الأخيرة قلبت المعادلة تمامًا، حين قال إنه في “مهمة تاريخية وروحية بتفويض من أجيال اليهود عبر العصور”، مؤكدًا ارتباطه برؤية “إسرائيل الكبرى”.
هذا التصريح شكّل تحوّلًا في الخطاب السياسي الرسمي، وكشف عن تبنٍّ علني لطموحات التيار الديني الصهيوني، الساعي إلى إقامة دولة توراتية كبرى قائمة على أساطير “أرض الميعاد” والمسيح المنتظر ونهاية العالم. الصحافة الإسرائيلية نقلت تلك الكلمات تحت عنوان لافت: “نتنياهو في مهمة تاريخية وروحية ويقر برؤية إسرائيل الكبرى”، مؤكدة أن رؤيته تشمل كامل الأراضي الفلسطينية التي كان يُفترض أن تقوم عليها الدولة الفلسطينية بموجب اتفاق أوسلو، بالإضافة إلى أجزاء من الأردن ومصر.
إعادة طرح هذه الأفكار بهذا الوضوح أعاد النقاش حول خطط الاحتلال لفرض سيطرته على مزيد من الأراضي العربية، وهو ما يشكل تهديدًا مباشرًا لعملية السلام ولأمن المنطقة. فمنذ حرب 1967 ارتبط مصطلح “إسرائيل الكبرى” بالمشروع التوسعي القائم على أسس دينية وقومية، رغم أن الحكومات الإسرائيلية لم تعلن رسميًا تبنيه. لكن تصريحات نتنياهو الأخيرة أثبتت أن هذه الرؤية لا تزال حاضرة بقوة، خاصة في ظل ما يجري في غزة ولبنان والضفة وسوريا وإيران.
هذا ليس تصريحًا انتخابيًا عابرًا، بل إعلان صريح عن نقل المشروع التوسعي من هامش الخطاب السياسي إلى قلب القرار الرسمي. نتنياهو لم يبتكر الفكرة، لكنه اختار اللحظة التي يراها مناسبة لطرحها، معتمدًا على الدعم الأمريكي والغربي الواضح، وفي ظل انقسام عربي مهين.
أمام هذا المشهد، ترتفع أصوات عربية لانذار العالم العربي مطالبة اياه بإعادة تفعيل منظومة الدفاع القومي العربي المشترك، استعدادًا لمواجهة مشروع لم يعد فكرة متطرفة، بل بات يتبناه رئيس وزراء الاحتلال علنًا، بما يهدد الأردن وسوريا ولبنان ومصر، فضلًا عن فلسطين، ويمس الأمن القومي العربي بأسره.
فما يجري اليوم في لبنان، وما يحدث في غزة والضفة وسوريا، ليس إلا خطوات عملية ضمن هذا المشروع التوسعي، الذي يستند إلى ركيزتين أساسيتين: دعم أمريكي مطلق، وحالة تخاذل عربي غير مسبوقة.
إلى متى الصمت؟ إما أن نعيد تفعيل منظومة الردع العربية اليوم، أو نستيقظ غدًا على واقع جديد رسمه العدو بدمائنا وأرضنا. فالاحتلال لم يعد يكتفي بالأساطير التوراتية، بل حوّلها إلى خطة سياسية إقليمية تطرق أبواب التنفيذ، وان التصريحات الأخيرة ليست موجهة للأردن أو فلسطين وحدهما، بل هي صفارة خطر لكل المشرق العربي.
الرد لا يكون ببيانات شجب باهتة، بل بإعادة بناء القوة العربية المشتركة، ووقف أشكال التطبيع كافة، وفرض كلفة سياسية واقتصادية على كيان لم تعد أطماعه تخفى على أحد.