🛑فرجال... news
في العقد الماضي، تحولت منصات التواصل الاجتماعي من مجرد أدوات للتواصل إلى ساحات رئيسية للنقاش السياسي والاجتماعي. بينما يُحسب لها دورها في كسر حواجز المعلومات، إلا أن الجانب المظلم من تأثيرها على استقرار الدول أصبح أكثر وضوحاً وخطورة. فبدلاً من أن تكون أداة للتقويم البناء، غالباً ما تتحول إلى سلاح فعال لهدم الأمن الوطني وزعزعة التماسك المجتمعي.
1. تضخيم الشائعات ونظرية المؤامرة: تربة خصبة للفوضى
تعمل خوارزميات هذه المنصات على تعزيز المحتوى الجذاب والمثير، بغض النظر عن دقته. هذا يخلق بيئة مثالية لانتشار الشائعات ونظريات المؤامرة بسرعة تفوق قدرة الحكومات على التصحيح. تزرع هذه الشائعات بذور الشك بين المواطنين تجاه مؤسسات الدولة وقادتها، مما يقوض الشرعية ويخلق حالة عامة من الغضب والارتباك، يمكن أن تتفجر في أي لحظة إلى احتجاجات أو أعمال عنف.

2. التسييس والاستقطاب: تفكيك النسيج الاجتماعي
لم تعد وسائل التواصل مجرد منصات محايدة، بل أصبحت ساحات لمعارك سياسية وطائفية وإيديولوجية. تقوم ‘‘غرف الصدى‘‘ (Echo Chambers) بعزل المستخدمين داخل فقاعات ثقافية وسياسية، حيث لا يسمعون سوى الآراء المؤيدة لمعتقداتهم. هذا يعمق الانقسامات ويُصَعِّد الخطاب، محولاً الخلاف الفكري الطبيعي إلى كراهية وعداء صريح بين أبناء الوطن الواحد، مما يمزق النسيج الاجتماعي ويجعله أسهل للاختراق.
3. الحروب السيبرانيية: أسلحة غير تقليدية
أدركت الدول والجماعات المعادية أن وسائل التواصل هي جبهة جديدة للحرب. فما عادت الحروب تقتصر على الدبابات والطائرات، بل أصبحت ‘‘حروب المعلومات‘‘ (Information Warfare) هي السلاح الأكثر فاعلية. تقوم جهات خبيثة بتنفيذ هجمات منسقة باستخدام حسابات مزيفة وروبوتات ("بوتات") لنشر معلومات مغلوطة بهدف:

· تشويه صورة البلاد دولياً. · بث الروح المعنوية للشعب. · تحريض الرأي العام ضد القيادة. · خلق أزمات وهمية لشغل الدولة بشيء غير حقيقي.
4. التهديد الأمني المباشر: التخطيط للعنف والتطرف
أصبحت المنصات المظلمة (Dark Social) ومجموعات التواصل الخاص أدوات مفضلة للتطرف والتجنيد. تستغل الجماعات المتطرفة والإرهابية هذه المساحات للتخطيط والتنسيق ونشر الأفكار المتشددة بعيداً عن أعين الرقابة، مما يشكل تهديداً مباشراً للأمن القومي واستقرار البلاد.
5. تآكل الثقة في المصادر الرسمية: إضعاف بوصلة المجتمع
مع تدفق المعلومات من آلاف المصغير غير الموثوقة، يفقد الجمهور قدرته على التمييز بين الحقيقة والزيف. يؤدي هذا التضليل المنظم إلى ‘‘تآكل الثقة‘‘ في المصادر الرسمية والإعلام التقليدي، مما يخلق فراغاً معلوماتياً خطيراً. عندما لا يثق الناس في حكومتهم أو إعلامهم، يصبحون عرضة للتأثر بأي رواية بديلة، حتى لو كانت مدمرة.

لابد من ايجاد استراتيجيات وطنية ينتج عنها وعي رقمي
ليس الحل في منع التكنولوجيا، فهي أصبحت واقعاً لا مفر منه. إنما يكمن الحل في مواجهة خطرها السلبي عبر:
1. التوعية الرقمية: تعزيز ‘‘المناعة الفكرية‘‘ لدى المواطن عبر برامج تثقيفية تعلمه كيفية تحليل المحتوى ونقد المعلومات وتحديد المصادر الموثوقة.
2. تشريعات رقابية ذكية: تطوير أطر قانونية تحارب نشر الأخبار الكاذبة بشكل فعال مع الحفاظ على حرية التعبير المشروعة.

3. تعزيز المصادر الرسمية: على الحكومات والمؤسسات الوطنية أن تكون سريعة وشفافة في نشر المعلومات الدقيقة، باستخدام نفس أدوات وسائل التواصل للوصول إلى الجمهور.
وسائل التواصل الاجتماعي، عندما يساء استخدامها، تتحول من أداة للتقويم إلى قوة هدامة. إنها سيف ذو حدين يمكن أن يقطع أوصال الاستقرار الوطني إذا لم نواجه تحدياته بوعي وحكمة واستراتيجيات وطنية شاملة.
