🛑فرجال... news
بقلم ا. سعد فياض
تُعد الهوية الوطنية الركيزة الأساسية لوحدة الشعوب واستقرار الدول، فهي الإطار الذي يجمع الأفراد على قيم مشتركة ورؤية موحدة للمستقبل. غير أن هذه الهوية ليست ثابتة، بل تتأثر بالعوامل السياسية والاجتماعية والثقافية، ويأتي الإعلام في مقدمة الأدوات القادرة على تعزيز الانتماء أو، في المقابل، تكريس الانقسام. الإعلام كحارس للهوية الوطنية:

عندما ينهض الإعلام بمسؤولياته المهنية والوطنية، يصبح عاملًا فاعلًا في تعزيز الانتماء الوطني. من خلال البرامج الثقافية، والتغطيات الإخبارية المتوازنة، والخطاب الإعلامي الذي يحتفي بالتنوع ويُبرز القواسم المشتركة، يمكن لوسائل الإعلام أن تبني صورة جامعة للمجتمع. في فترات الأزمات، مثل الكوارث الطبيعية أو الاعتداءات الخارجية، يظهر الإعلام الموحد الذي يشجع على التضامن ويؤكد أن المصير مشترك. البرامج التثقيفية التي تبرز تاريخ البلاد، إنجازاتها، ورموزها الوطنية تسهم في تعزيز الاعتزاز بالانتماء. الإعلام كأداة لتفتيت الهوية:

لكن الوجه الآخر لا يقل خطورة. فحين يُسخّر الإعلام لأهداف حزبية أو طائفية أو قومية ضيقة، يتحول إلى معول هدم للهوية الوطنية. الخطاب الإعلامي المنحاز الذي يقسم المواطنين بين ‘‘نحن‘‘ و"هم‘‘ يغرس الانقسام في وعي الناس. تسييس التغطية يخلق روايات متناقضة للحدث الواحد، ما يؤدي إلى فقدان الثقة وتعمّق الشروخ الاجتماعية. المنصات الرقمية قد تضاعف هذه الانقسامات عبر ‘‘فقاعات المعلومات‘‘ حيث لا يسمع الجمهور إلا صدى أفكاره. أمثلة واقعية: في العراق بعد 2003، لعبت بعض الفضائيات دورًا سلبيًا حين ركزت على الانتماءات الطائفية والعرقية، ما عمّق الاستقطاب وأضعف الهوية الجامعة. في المقابل، أظهرت التغطيات الإعلامية لبعض البطولات الرياضية (مثل فوز المنتخب الوطني) كيف يمكن للإعلام أن يوحّد الشارع العراقي خلف علم واحد وهتاف واحد. على الصعيد العربي، عُرفت بعض وسائل الإعلام بدورها في إذكاء النزاعات الداخلية، بينما نجحت أخرى في إبراز خطاب الوحدة والتكامل العربي. بين المسؤولية والحرية الإعلام، وهو يمارس دوره بين الحرية والمسؤولية، يقف على خط رفيع: فالمبالغة في التركيز على التنوع قد تُقرأ كتحريض على الانقسام. وإغفال الخلافات تمامًا قد يُنظر إليه كقمع للواقع. المعادلة المثلى تكمن في خطاب إعلامي يوازن بين إبراز التنوع كثراء وبين التأكيد على الانتماء الوطني كقيمة عليا. توصيات عملية لتعزيز الهوية الوطنية عبر الإعلام.

1. إنتاج محتوى جامع يركز على القيم المشتركة، ويحتفي بالتنوع باعتباره مصدر قوة لا تهديد.
2. تطوير برامج تثقيفية تعرّف الأجيال بتاريخ البلاد ورموزها الوطنية بما يعزز الاعتزاز والانتماء.
3. تشجيع الخطاب المتوازن الذي يتجنب التحيز الحزبي أو الطائفي ويعتمد المهنية والموضوعية.
4. توظيف الإعلام الرقمي بوعي لمواجهة الأخبار الكاذبة وخطاب الكراهية، مع تعزيز منصات الحوار البنّاء.
5. إطلاق مبادرات إعلامية مشتركة (حملات وطنية، تغطيات موحّدة) في المناسبات الوطنية لتعزيز الوحدة.
ختاما: الهوية الوطنية ليست شعارًا مجردًا، بل هي ممارسة يومية تتجسد في الخطاب الإعلامي بقدر ما تتجسد في المؤسسات والسياسات. فإما أن يكون الإعلام مرآة للوحدة والأمل، أو يصبح وقودًا للانقسام والفرقة. والاختيار هنا لا يعود فقط للسلطات أو المؤسسات الإعلامية، بل أيضًا للجمهور الذي يملك حق المساءلة والرقابة على ما يُقدّم له.
