🛑فرجال... news
بقلم ا. سعد فياض
لا يقتصر دور الإعلام على نقل الأحداث كما هي، بل يتجاوز ذلك إلى تحديد ما يستحق الاهتمام وما يمكن تجاوزه. فمن خلال انتقاء الأخبار، وحجم التغطية، وزوايا الطرح، يصبح الإعلام شريكًا أساسيًا في صناعة أجندة المجتمع، أي قائمة الأولويات التي ينشغل بها الجمهور ويعيد ترتيب اهتماماته على أساسها.
"الإعلام وصياغة الأجندة‘‘
يُعرف علماء الاتصال هذه الظاهرة بمفهوم ‘‘وضع الأجندة‘‘ ، أي قدرة وسائل الإعلام على التأثير في وعي الجمهور ليس بإخبارهم ماذا يفكرون، بل بماذا يفكرون. فالحدث الذي يتصدر نشرات الأخبار أو يتكرر في عناوين الصحف سيحتل مكانة أكبر في عقول الناس مقارنة بحدث آخر لم يُمنح التغطية ذاتها.
مثال:
إذا كثّف الإعلام تغطيته لقضية الفساد، فإن الرأي العام سيعتبر الفساد المشكلة الأهم، حتى وإن كانت البطالة أو التعليم أكثر إلحاحًا في الواقع.
"من التغطية إلى التوجيه"
الانتقائية: اختيار قصص معينة وتجاهل أخرى يوجّه تفكير الجمهور نحو قضايا محددة.
الترتيب: الأخبار التي تُعرض أولًا أو تُمنح وقتًا أطول تُصبح أكثر أهمية في ذهن المتلقي.
اللغة البصرية واللفظية: العناوين، الصور، ومؤثرات الصوت تخلق انطباعًا إضافيًا يزيد من ترسيخ الأولويات.
مثال:
في الكوارث الطبيعية، يُظهر الإعلام صور الضحايا المتكررة فيجعل المأساة الإنسانية في صدارة الاهتمام، بينما قد يُهمل نقاش السياسات الوقائية التي حالت دون الكارثة.
"أمثلة واقعية‘‘
في العراق، حين ركزت بعض الفضائيات بعد 2003 على القضايا الطائفية، صارت هي الأولوية في وعي الجمهور، بينما تراجعت قضايا الخدمات والإصلاح.
خلال جائحة كورونا، جعل الإعلام العالمي الصحة العامة في مقدمة أولويات الرأي العام، بعد أن كانت الأجندة العالمية تتركز على الاقتصاد والسياسة الدولية.
في الانتخابات، تُبرز وسائل الإعلام المرشحين الأقوى في الاستطلاعات، ما يعزز فكرة أنهم ‘‘الأوفر حظًا"، ويوجّه خيارات الناخبين حتى قبل وصولهم إلى صناديق الاقتراع
"التأثير على وعي الجمهور‘‘
تعزيز القضايا الوطنية: التركيز الإعلامي يمكن أن يوحد المجتمع حول أهداف كبرى.
تشتيت الانتباه: بالمقابل، قد يُستخدم لتوجيه الوعي بعيدًا عن مشكلات أساسية.
صناعة اتجاهات جديدة: حين يبرز الإعلام موضوعات مبتكرة (كالتحول الرقمي أو البيئة)، فإنه يفتح آفاقًا جديدة للتفكير المجتمعي.
ختاما
الإعلام ليس مجرد شاهد على الأحداث، بل هو قوة مؤثرة في ترتيب أولويات الشعوب. ومن التغطية إلى التوجيه، يظل السؤال مطروحًا: هل يستخدم الإعلام هذه القوة لتعزيز وعي نقدي وبناء، أم لتكريس أجندات ضيقة تخدم مصالح محدودة؟
