🛑 فرجال... news
شهد العالم في العقود الأخيرة صعوداً متزايداً لوسائل الإعلام ذات الطابع القطبي، أي تلك التي تقوم على الاستقطاب السياسي والفكري والطائفي، بحيث لم تعد منصات لنقل المعلومة فحسب، بل تحولت إلى أدوات فاعلة في إعادة تشكيل الرأي العام وتوجيهه. في المجتمعات التي تعاني من انقسامات سياسية أو اجتماعية، تزداد خطورة هذا النوع من الإعلام الذي لا يكتفي بنقل الحدث بل يُعيد صياغته ضمن سردية تخدم طرفاً على حساب آخر.
وهذا يقود الى
أولاً: تكريس الانقسام وتعميق الشرخ المجتمعي
حيث تساهم القنوات القطبية في إعادة إنتاج الانقسامات عبر صياغة خطاب ‘‘نحن‘‘ في مقابل ‘‘هم". هذا النمط من الخطاب يؤدي إلى إضعاف التماسك الاجتماعي ويحول دون بروز فضاء عام مشترك يسمح بالحوار. وقد بينت دراسات في علم الاجتماع السياسي أن المجتمعات التي تهيمن فيها وسائل إعلام قطبية تكون أكثر عرضة لظواهر التطرف وضعف الثقة بين المكونات المختلفة.

ثانياً: صناعة الرأي العام عبر العاطفة والانفعال
باستخدام هذه القنوات لادوات خطابية تقوم على التأثير النفسي بدلاً من الحجج العقلية، مثل:
إثارة مشاعر الخوف أو الكراهية.
تمجيد الذات وتشيطن الخصوم.
الاعتماد على الأخبار المثيرة أكثر من التحليل الموضوعي.
هذه الأساليب تجعل الجمهور يتبنى المواقف بناءً على ردود فعل عاطفية، ما يضعف التفكير النقدي ويزيد من هشاشة الرأي العام.

ثالثاً: دوائر الصدى وفقدان الموضوعية
من أخطر آثار الإعلام القطبي خلق ما يُعرف بـ دوائر الصدى ، حيث يتلقى الفرد معلومات متجانسة تعزز قناعاته السابقة، فينعزل عن الرأي الآخر. وبهذا تتحول القنوات إلى ‘‘غرف مغلقة‘‘ تنتج حقائق بديلة، تؤدي إلى إضعاف الثقة بالمعلومة والإعلام، وتعزز الميل إلى تبني نظريات المؤامرة.
رابعاً: التأثير السياسي والسلوك الجماهيري
كون القنوات الإعلامية القطبية لا تكتفي بالتأثير في المواقف الفكرية، بل تمتد إلى توجيه السلوك السياسي، مثل:
التأثير في نتائج الانتخابات عبر الدعاية الموجهة.
التحشيد للاحتجاجات أو المظاهرات.
دعم شرعية طرف سياسي على حساب آخر.
في العراق مثلاً، لعبت وتلعب بعض القنوات الحزبية دوراً مباشراً في توجيه الرأي العام أثناء الانتخابات، حيث حلت الخطابات التحريضية محل البرامج السياسية الرصينة.

ومن الامثلة العالمية
الولايات المتحدة: الانقسام الإعلامي بين Fox News (ذات التوجه المحافظ) وCNN/MSNBC (الليبرالية) ساهم في تعزيز الانقسام الحزبي، حتى في المواقف الصحية والاجتماعية مثل جائحة كورونا.
اما في العراق والمنطقة العربية: فان القنوات ذات التمويل الطائفي أو الحزبي أسهمت في ترسيخ الانقسامات الهوياتية، بدل أن تكون أداة للتقريب وبناء الثقة الوطنية.

يمكن القول إن أثر القنوات الإعلامية القطبية على الرأي العام مزدوج: فهي من جهة تملك قدرة هائلة على توجيه الجماهير وحشدها، لكنها من جهة أخرى تُضعف الثقة المجتمعية والإعلامية، وتؤدي إلى مزيد من الانقسام. وهذا يجعل الحاجة ملحة إلى إعلام مهني مستقل يوازن بين الحقائق ويعزز الحوار المجتمعي بدلاً من تكريس الانقسام.
